19 مارس 2021

منزل الشبهات

 كان أبي قد اشترى منزلاَ بقرية تدعى (الحويّة) وهي تبعد عن مدينة (الطائف) قرابة 20 كم شرقاً، سكنت في هذا البيت منذ أن كان عمري 7 سنوات، وخرجت منه بعد تخرجي من الجامعة والتحاقي بسلك العمل، وكان عمري حينها 21 أو 22 سنة، أي أن يمكثت في ذلك البيت ما بين 14 سنة إلى 15 سنة، ما بين سنتي 1408 هجرية وحتى 1422 هجرية، وفي هذه المدة رأيت أشياء غريبة، فقد كنت أسمع ممن كان يزورنا من أقاربنا أن في بيتنا (جِنّ) ولم أكن أهتم حقيقة بهذا الأمر.

 ولكن وقع لي من الأحداث التي أفكر فيها اليوم ما تحقق لدي أنه حقاً كان يوجد في ذلك البيت جنّ، كان الحيّ الذي يقبع فيها بيتنا في ذلك الوقت من الأحياء البسيطة الشعبية، حيث كانت البيوت تبنى بغير قواعد اسمنتية، أو شيء من ذلك، بل تبنى بالطوب مباشرة وتسقف بالخشب، وهذا هو حال أكثر بيوت تلك القرية، قبل الطفرة العمرانية، التي وقعت في زمن الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حيث تحولت أكثر البيوت الشعبية إلى منازل حديثة، وقد كان هذا البيت قبل أن يشتريه أبي مهجوراً لسنوات طويلة، فاشتراه أبي، وحاول ترميمه ما استطاع، وأثثه وسكنّا به، الحقيقة لم نكن نشعر بوجود شيء من الجنّ، فيظهر لي أنهم كانوا مسالمين، ولكن دائماً ما كان أقاربنا يشكون من وجود جنّ في بيتنا، بينما نحن لا نشعر بشيء من ذلك، أو لنقل بأننا نشعر، ولكننا نسهو ولا نهتم. 

فمما وقع لي في لك البيت وكنت إذ ذاك في المرحلة الثانوية، كان هذا تقريباً بين سنتي 1417 هجرية و1419 هجرية، أنني كنت نائماً في غرفتي لوحدي، وكانت الغرفة مظلمة، وإن كان هناك ضوء صادر من خارج الغرفة، أظنه مصباح الصالة، فاستفقت من النوم في منتصف الليل، وكنت منبطحاً على بطني، فلما هممت بالاستيقاظ من النوم، ورفعت جسدي بيدي، إذ بصوت شبيه بصوت الصاروخ الصغير - إحدى أنواع المفرقعات التي يستخدمها الأطفال للعب - منطلقاً من جهة باب الغرفة وماراً من فوق رأسي بسرعة هائلة، وكان صوته قويّاً ومركّزاً، فأصيحت بهلع شديد، حتى أني تلبطت بالأرض، وكنت أقول لنفسي وقد جحظت عيناني: ما هذا! وبلغتنا العامية، كنت أقول: أبك هذا ويش!  لكن الغريب أني بعد ذلك أحسست بدوخة ثم نمت مباشرة ولم أستفق إلا الصباح، وكأن شيئاً لم يكن ! ولكني فيما بعد شككت أن يكون أحد الجنّ كان يعبث معي. وبعد مطالعتي لأحوال الجنّ، علمت بأن الجن عندهم القدرة على أن يفقدوا الإنسان الوعي، وجعله يغط في نوم عميق، ولهذا علمت أن سبب شعوري بالدوخة ثم نومي بعد ذلك، كان بسبب تأثيرهم علي (والله أعلم) ومرّة أخرى.

وفي المرحلة الثانوية أيضاً، وكان ذلك في شهر رمضان، ولا أعرف أي رمضان وقع فيه ذلك، كان أبي قد أوصاني بعمل شيء ما - نسيت ما هو - فلما فرغت من صلاة العشاء، خرجت مباشرة ولم أصلي التراويح، إذ لم تكن هذه عادة لي، بنيما كان أبي محافظاً على صلاة التراويح، فخرجت وذهبت للبيت، وكان في بيتنا موقد للنار، فكان أبي يأمرنا قبل أذان المغرب، أن نوقد النار، ونملأ أواني القهوة، التي نسميها (دَلَّة) وجمعها (دلال) وكنا بالعادة نملأ ثلاثة بالقهوة، ونضعها بجوار الموقد، لكي تكون ساخنة، فجلست بجوار الموقع وأواني القهوة، أحتسي القهوة وأأكل من التمر، ثم أخذت دفتراً وقلماً، وأخذت أرسم بعض التصاوير، فلم اشعر إلا وابي قد دخل علي المجلس، وقال لي: هل فعلت الشي ءالفلاني؟ قلت: لا . فقال: قم أفعله الآن! فقمت ودفتري وقلمي بيدي، وأخذت أسير إلى ناحية الباب وأنا أكمل رسمي، حتى إذا توسطت المجلس، وقفت لأكمل رسمي وألقي بالدفتر والقلم، ففي الوقت الذي وقفت فيه وأنا أرسم، سمعت صوتاً عند أذني اليمنى، وهو يقول لي بصوت خافت جدّاً، وكأنه يريد أن يسّارني، ولكنه كان واضحاً كفاية لأفهم ما يقول، وهو يناديني باسمي! فأصابني رعب شديد، حتى أن جلدي أقشر وانتفض جسمي انتفاضاً غريباً، وأحسست بشعر راسي قد وقف، وجحظت عيناني، ولم استطع أن أرمش رمشة واحدة، وارتخت يداي حتى نزلت إلى جنبي، ولكني لم استطع أن ألقي القلم والدفتر، وتجمدت في مكاني قليلاً، ثم استجمعت قواي، وسرت سيراً خفيفاً فيه شبه من سير الرجل الآلي، حتى خرجت من المجلس، فأكملت مسيري حتى توسطت المسافة إلى الباب الداخلي الذي يفضي إلى داخل الدار، فلما علمت أن توسطت الطرق، انطلقت بأقوى سرعة حتى وقعت إلى أخر البيت، كانت هذه الواقعة عالقة في رأسي ما حييت، والعجيب في الأمر، أن خوفي لم يستمر طويلاً، صحيح أني لم أستطع أن أذهب للمجلس وحدي تلك الليلة، ولكني في اليوم التالي عدت للجلوس وحدي فيه وكأن شيئاً لم يكن ! 


ومرة أخرى كان ذلك أيضاً في المرحلة الثانوية، كان من عادتنا أنا وأبي أن ننام في حوش البيت، ولم نكن نشعر بشيء، إلا أنني في ليلة من الليالي، وكان هذا حدثاً استثنائياً، وكان أبي قد غطّ في نوم عميق على سريره الحديدي، بينما أقبع أنا في جهة أخرى من الحوش - وهو ليس كبيراً قرابة 10 م في 14 م -سمعت شيئاً يأخذ من حصى الحوش ويضرب به قائم سرير أبي الحديدي، وقد ضرب السرير قرابة ثلاث أو أربع مرات، وأما الحصوة الرابعة أو الخامسة، فقد وجهها إلى رأسي، ولكنها وقعت بجاني رأسي بالضبط، ولكن بحكم خبرتي السابقة، عرفت أنه من أصحابنا الجنّ الذين يسكنون معنا في البيت، وأنه إنما يريد أن يعبث معي قليلاً، لذلك لم أحفل بما يقوم به، واستمريت في نومي. تنبيه: البيت الذي في الصورة تم تصويره من نفس القرية التي كان بيتنا فيها (الحوية) وشبيه بهذا التصميم وإن كان بيتنا أكبر وأوسع قليلاً، ولكن ليس لدي صورة لبيتنا القديم، ولذلك استعرت هذه الصورة كأقر بمثال لبيتنا.


يرويها ص.ن.ر (39 سنة) - السعودية

ملاحظة

- نشرت تلك القصص وصنفت على أنها واقعية على ذمة من يرويها دون تحمل أية مسؤولية عن صحة أو دقة وقائعها


هناك تعليقان (2):