12 أغسطس 2025

لا تحاولوا إخباري بأنهم غير موجودين

لا تحاول إخباري أنهم غير موجودين
ترويها كايتي ماكفول - بريطانيا

على مدار حياتي، كانت جدتي تسألني من وقت لآخر نفس السؤال الغريب: " عندما أموت، هل تريدين أن أعود لزيارتك ؟ "، كان السؤال دوماً يثير في قلبي الرعب، ومنذ طفولتي وحتى مراهقتي، بل وحتى ما يُسمى بسن الرشد، كان جوابي ثابتاً لا يتغير: "لا ! عندما تموتين، أرجوكِ ابقي ميتة !"

قد يبدو هذا قاسياً أن يُقال لجدة، خاصة لو كانت رائعة مثل جدتي، لكنني أعاني من خوف مزمن -  ولا أخجل من الاعتراف -  ما زال يلاحقني حتى اليوم (ولعبة الكلمات هنا غير مقصودة !)،  أنا امرأة في الثالثة والثلاثين من عمري، وأخاف من الأشباح خوفاً حقيقياً.

أنا من ذلك النوع الذي يسمع صوت خبط في الليل فيفكر فوراً في "شبح مشاكس" قبل أن يفكر في "لص" ، وإن اضطررت للذهاب إلى الحمام في الساعات الأولى من الفجر، أحاول الانتظار حتى بعد الرابعة صباحاً، لأنني سمعت يوماً أن الأشباح تظهر غالباً بين منتصف الليل والرابعة فجراً.

حين شاهدت مع شريكي مسلسل The Haunting of Hill House قبل سنوات، توسلت إليه أن يبقى معي وألا يعود إلى منزله... حتى أنني بكيت قليلاً وأشعلت كل الأنوار بمجرد مغادرته ! البعض سيتفهمني، والبعض الآخر سيظن أنني طفلة كبيرة تخاف من الظلام. لكن سواء كنت شجاعاً أو جباناً، فهناك شيء يجمعنا جميعاً: الإيمان ، الوحيدون الذين لا أفهمهم هم أولئك الذين يبتسمون بتعال ويشرحون لك بهدوء أن الأشباح "مجرد أوهام".

أنا لا أريد أن تكون الأشباح حقيقية، ولا أتمنى أن أشعر بثقل زائر غير مرغوب فيه على طرف سريري لكن في مرحلة ما من حياتك، ستواجه حضوراً غامضاً أو ستسمع قصصاً لا تُفسر عن نشاط ماورائي.

أنا أؤمن أن الناس نوعان: إما أن يكون مثل  "هايلي جويل أوسمنت" في فيلم The Sixth Sense الذي يرى الموتى، أو كزوجة بروس ويليس في الفيلم نفسه التي لا ترى شيئاً ، لحسن الحظ، يبدو أنني لست جذابة بما يكفي لأثير اهتمام الأشباح.

ذكريات عائلية مع الأشباح

في طفولتنا، يُقال لنا إن الأشباح غير موجودة ويجب أن ننام حالاً. يتم إبعادنا عن البرامج والأفلام المخيفة، ونُحرم من أزياء الهالوين "المثيرة". الهدف ببساطة هو تسهيل حياة الوالدين كي ينام الأطفال في أسرّتهم طوال الليل ، أمي جربت كل شيء: من العبارة الكلاسيكية "الأشباح غير موجودة"، إلى الخيال المطمئن "لا يمكنهم لمسك وأنت نائم"، وصولاً إلى التصريح المقلق: "أنا أستشعر هذه الأشياء، ولا يوجد أشباح في هذا البيت".

لكن عندما كبرت وواجهتها بالأمر، روت لي ما حدث معها في أواخر مراهقتها، كان جدّي وجدّتي (وكانا يديران حانة) قد اشتريا حانة جديدة. منذ الجولة الأولى أحست أمي بانقباض ولم ترد الانتقال إليها، كانت غرفتها في أعلى المبنى، وغالباً ما كانت تسمع طرقاً على بابها دون أن تجد أحداً كما قالت إنها شعرت أحياناً بقط يمشي على سريرها ليلاً، لكنها حين تضيء النور، لا تجد أي أثر.

أما أبي، ففي منزلنا الأول، صعد يوماً إلى الطابق العلوي فوجد صبياً صغيراً وحده ، كان الأمر مستحيلاً أن يكون الطفل قد وصل هناك ، ناداه أبي فارتبك الصغير وركض نحو المطبخ، لكن حين تبعه، لم يجد أحداً… الصبي تبخر في الهواء !

أصدقاء وتجارب مخيفة

إحدى صديقاتي أخبرتني أنها في منزلها السابق، أثناء أعمال ترميم، رأت ليلاً امرأة ترتدي قبعة قديمة وملابس من طراز القرن التاسع عشر تدخل من خلال الحائط وتقطع الغرفة ، كانت في صدمة، وحين حاولت إيقاظ زوجها، التفتت المرأة إليها وأشارت لها بالصمت، ثم اختفت ، في اليوم التالي، عثر أحد البنائين تحت أرضية الخزانة على قبعة نسائية قديمة ، كانت نفس الخزانة التي دخلت منها المرأة الغامضة !

صديقة أخرى، أثناء زيارتها لمنزل حبيبها، اكتشفت أنه "مسكون" ، كان هناك شبح طفلة يبدو وكأنها تريد اللعب: المياه تفتح من تلقاء نفسها، القمامة تُقلب، وأثر أيد صغيرة يظهر على باب العلية. وعندما التقطا صوراً، كانت صورها هي فقط مغطاة بنقاط ضوء صغيرة غامضة ، لم تعد لزيارته مجدداً، والعلاقة انتهت قريباً… ربما لمصلحة الطفلة الشبحية.


في النهاية ، أعلم أن العلم لم يفسر هذه الظواهر بعد، ونعيش في عصر التكنولوجيا والتجارب المعملية ، لكن هذا لا يعني أن ما لا نراه غير موجود. بالنسبة لي، الأشباح هي بقايا لجوهر إنساني تاه بين العالمين ، أما عن عرض جدتي بأن تزورني بعد وفاتها، فإجابتي لا تزال: "مستحيل" ،  إلا إذا كان الأمر مجرد إشارة لطيفة بأنها تراقبني… من بعيد، وبدون أي عنصر رعب.

ترويها كايتي ماكفول - بريطانيا


نبذة عن الكاتبة 

كاتي ماكفول هي كاتبة بريطانية استقرت في مدينة بريستول بعد سنوات من التنقل بين أماكن مختلفة، وتشبه هذه الرحلة أسلوب حياة مادونا في فيلم Desperately Seeking Susan. تمضي وقتها في مساعدة الحيوانات المحتاجة، وتستمتع بتناول البسكويت، رغم أنها معروفة دائماً بتأخرها عن المواعيد. من اهتماماتها المطبخ النباتي، ومشاهدة الأفلام بمختلف أنواعها، وكتابة الشعر حتى وإن وصفته بنفسها بأنه "رديء للغاية". أما ما لا تحبه فيشمل المشاة البطيئين، وضيق الأفق، والتحدث عن نفسها بصيغة الغائب.


المصدر 


شاركنا تجربتك

إذا كنت قد عشت تجربة تعتقد أنها غريبة فعلاً ويصعب تفسيرها ،يمكنك ملئ النموذج وإرساله هـنـا

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .