19 مارس 2025

أرواح عالقة في منزلنا القديم

توفي والدي قبل أسابيع معدودة ، لم يكن الأمر سهلاً، كان يسكن في الطابق الثاني من منزلنا القديم في اللاذقية، وما زلنا نسمع وقع خطواته، نفس الأصوات التي اعتدنا عليها وهو على قيد الحياة. حتى أن الموقد الذي كان منطفئًا بسبب نفاد الوقود اشتعل من تلقاء نفسه عند الرابعة فجرًا، وسط البرد القارس.

رغم الألفة التي كنها لأبي، إلا أنني وزوجي أصبحنا نتجنب الصعود للطابق الثاني بعد غروب الشمس، فالإحساس الذي يغمر المكان يفوق مجرد الذكريات. الخوف أصبح جزءًا من يومياتنا، وكأنه يضاف إلى ألم الفقدان.

لم يكن أبي الشخص الوحيد الذي نشعر بوجوده، فأمي التي رحلت قبل أربع سنوات، ما زالت تناديني أحيانًا، حتى أن زوجي يسمعها أيضًا. هل هذا مجرد وهم، أم أن أرواحهما ما زالت تسكن المكان؟

منزلنا قديم، بُني عام 1925، وبه طاقة غريبة لم نشعر يومًا بأنها عدائية. لطالما كنا نرى ظلالًا تتحرك، وكان أصدقاؤنا من الكلاب والقطط يتصرفون بغرابة وكأنهم يشعرون بشيء لا نراه. ابني أيضًا كان يرى أشياء عندما كان صغيرًا، لكنه لم يكن خائفًا منها أبدًا.

أخبرتني صديقتي التي تعمل في علوم الطاقة أن روح أبي وأمي لم تغادر المنزل، بل عُلقت في منطقة "الأعراف"، وأنه من الأفضل ألا نصعد للطابق العلوي بعد الغروب. هل يعقل أن يكون هذا صحيحًا؟


علامات لا تفسير لها

حلمت بأمي قبل وفاتها بأربعة أيام، إذ ظهرت لي فراشة تخبرني أنها ستموت قريبًا. وما حدث بعد ذلك أكد لي أن هذا لم يكن مجرد حلم عابر، فقد توفيت أمي فعلًا كما أخبرتني الفراشة. ومن حين لآخر، تستمر الفراشة في الظهور لي، وكأنها رسالة من العالم الآخر.

بعد وفاتها بثلاثة أشهر، رأيتها في حلم آخر، حيث أخذتني إلى مكان غريب يدعى "الجرف"، وقفنا تحت شجرة عملاقة، وكانت الشمس تملأ المكان نورًا. بكيت وسألتها إن كانت راضية عني وعن زوجي، فرفعت يديها إلى السماء وقالت: "الله يرضى عليكم ويوفقكم" ثلاث مرات، حتى أيقظني زوجي وأنا أصرخ.


تنبؤ بالموت .. وظهور بعد الرحيل

لم تكن هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بشيء قادم قبل أن يحدث. عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري، توفيت قريبتي ساميا، شابة في الثلاثين من عمرها، في حادث مفاجئ. لم يسمح لي أهلي بحضور جنازتها خوفًا من تأثري الشديد، لكن بعد أيام قليلة، رأيتها في حلم لا يمكن نسيانه.

في الحلم، نهضت من سريري ومشيت باتجاه الحديقة، كان الضباب كثيفًا، وهناك رأيت ساميا، مستلقية في تابوت مزركش بالورود، لونه كحلي. وقفت أمامي وعانقتني، لكن ما شعرت به لم يكن جسدًا، بل هواء باردًا. تراجعت خائفة، فنظرت إليّ بحزن وقالت: "لقد خفتِ مني، لن أزوركِ بعد الآن."

في الصباح، رويت الحلم لوالدتي، فتجمدت في مكانها وقالت: "يا إلهي! ساميا دفنت بثياب بلون كحلي، كانت قد خاطتها خصيصًا للعيد، لكنها توفيت قبل أن ترتديها!"

هل كان هذا مجرد حلم عادي، أم أن ساميا عادت بالفعل لتودعني؟


كيانات أخرى .. وجود لا يؤذينا

البيت ليس فقط مسكونًا بأرواح والديّ، بل هناك كائنات أخرى تعيش فيه منذ زمن، لم تؤذِنا يومًا بل نشعر أحيانًا أنها تحمينا.

إحدى المواقف الغريبة حدثت قبل عشر سنوات، عندما زارنا صديق لي ومعه كلبه. كان والدي لا يحب الحيوانات، وعندما رأى الكلب صورة قديمة لوالدي على الحائط، بدأ ينبح بجنون. قلبنا الصورة، فهدأ الكلب، وحينما أعدناها إلى مكانها، استأنف نباحه الهستيري.

حتى بعد رحيل والدي، يبدو أن الحيوانات لا تزال تشعر بوجوده، إذ تصر القطط على الجلوس على سريره، فيما يقف أحد كلابنا عند باب غرفته ليعوي وكأنه يرى شيئًا غير مرئي.


هل علينا المغادرة ؟

رغم كل شيء، لم نغادر المنزل. إنه منزل العائلة، انتقلت إليه عندما كنت في التاسعة من عمري. حتى زوجي الذي لا يشعر بالراحة هنا لم يستطع إقناعي بالمغادرة. المنزل قديم ومتوارث، وتم إخلاؤنا منه لفترة، لكننا عدنا إليه بعد سقوط النظام مؤخراً.

لا أعلم ما سر هذه الظواهر، لكنني أؤمن أن هناك ما هو أبعد من إدراكنا. فهل ما نعيشه هو مجرد ظلال من الماضي، أم أن هناك عوالم أخرى تتداخل مع عالمنا دون أن ندرك؟


ترويها السيدة ك.ب (41 سنة) - سوريا  

ملاحظة

 نشرت تلك القصص وصنفت على أنها واقعية على ذمة من يرويها دون تحمل أية مسؤولية عن صحة أو دقة وقائعها ،  للإطلاع على أسباب نشر تلك التجارب وحول أسلوب المناقشة البناءة إقرأ هنا


إقرأ أيضاً ...

- تجارب واقعية : رحلة خارج الجسد

- تجارب واقعية : مختارات 13

- التفسير العلمي للخروج من الجسد

- الخروج من الجسد : تجربة روحية أم ماذا ؟



0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .