21 أبريل 2025

على طريق الرحمة: تأملات سائق إسعاف

أعمل سائقاً لسيارة إسعاف مخصصة لنقل الحالات المرضية الحرجة. تلقيت تدريباً صارماً في الإسعافات الأولية، بما في ذلك الإنعاش القلبي الرئوي (CPR)، وأخضع لاختبارات سنوية للتأكد من كفاءتي، بالإضافة إلى فحوصات مفاجئة للتأكد من خلو جسمي من الكحول والمخدرات.​


من خلال عملي، أرافق المرضى يومياً، أنقلهم من منازلهم إلى مواعيدهم في العيادات والمستشفيات، ثم أعيدهم إلى بيوتهم. بعضهم أصبحوا جزءاً من روتيني اليومي أو الأسبوعي لسنوات.​

خلال هذه السنوات، لاحظت نمطاً متكرراً في أحاديث بعض المرضى. كانوا يصفون رؤيتهم لضوء ساطع يشع من السماء، كما لو أن الشمس تشرق في العاشرة صباحاً. يشعرون بسعادة غامرة، كأنهم عادوا أطفالاً ينادون أمهاتهم أو ابائهم ، ويعبرون عن فرحة تغمرهم رغم ألم المرض وصعوبة الحياة. الغريب أن هؤلاء المرضى غالباً ما يتوفون بعد فترة، تتراوح من أيام إلى سنوات. لاحظت أن كلما زادت طيبة الشخص وأخلاقه، طالت المدة بين وصفه لهذا الضوء ووفاته ، كما لاحظت أن وجود أشخاص طيبين حول المريض يعزز هذه الظاهرة.

على سبيل المثال، هناك ممرضة شابة في العشرينات من عمرها، ذات شعر مضفور وعيون مرحة، تعامل المرضى بحب ونشاط ، أكثر من مريض وصفها بأنها محاطة بهالة جميلة ودافئة، وأن الضوء والسعادة يزدادان حين تكون معهم في الغرفة. عندما أخبرتها بذلك، بدت منزعجة وحاولت التهرب من الإجابة، لكنها اعترفت في النهاية قائلة: " إنهم يرون ما لا نراه، وأنا خائفة ".​

بدأت أتحقق أكثر من هذا الموضوع، ولاحظت أن الأشخاص الذين يكثرون من التأمل والدعاء تزداد هالتهم. في المقابل، هناك من يعانون من ألم مبرح وعدم القدرة على النوم، ويتمنون الموت دون أن ينالوه. 

في أحد الأيام، أمسكت امرأة تتألم بذراعي وقالت بحسرة: " أريد الموت، ساعدني". أجبتها بأنني لا أعرف عن ماذا تتحدث، فقالت: " ساعدني، أنت منهم وتقدر أن تساعدني ". جلست قربها وقلت: " عسى أن يكون رحيلك سهلاً وسريعاً بدون ألم ". ابتسمت بصعوبة وقالت: "شكراً، هذا ما أحتاجه ".​

غريب كيف أن الناس تختار أن تكون ملائكة للرحمة أو ظلالاً للشيطان. الناس المسالمة تكون أواخر أوقاتهم سعيدة، بينما يعاني البعض الآخر في أيامهم الأخيرة إلى حد التمني بالموت دون أن يجدوه ، للحياة جوانب متعددة، والناس تختار في أي جانب تعيش، وربما تموت أيضاً.​

ازرعوا الحب في قلوبكم، لتكن نهايتكم سعيدة ومريحة. في النهاية، هو اختياركم.​


 يرويها زياد (43 سنة) - الولايات المتحدة الأمريكية  


تـعـقـيـب 

الفيض الإيماني وتيسير الرحيل

الإيمان الصادق ليس مجرد تصديق بعقيدة، بل حالة وجدانية عميقة تجعل النفس متصالحة مع فكرة الرحيل، ترى الموت انتقالاً لا فناء، وتؤمن بأن هناك من ينتظرها، سواء كان "الوالد أوالوالدة" كما قال المرضى، أو "رحمة الله" كما نؤمن.

الجانب الإيماني يخلق حالة تُعرف في بعض الأدبيات بـ"الاستسلام الروحي"، حيث تنطفئ مشاعر الخوف، ويحلّ محلها شعور بالسكينة والقبول.

يُقال أن من أكثر ما يُسهّل سكرات الموت هو :

- الإيمان بالرحمة الإلهية 

- كثرة الدعاء والتأمل (كما لاحظ الراوي أن الدعاء يضفي "هالة" حول الإنسان).

- التصالح مع الذات والآخرين.

- حياة قائمة على الحب لا الكراهية.


وعلى النقيض... نظرة تشاؤمية للحياة

أما من ينظر للحياة كعبء لا يُحتمل، ويُحاط بالكراهية أو الندم أو الظلم أو الجفاء، فيعيش حالة من "الضيق الوجودي" الذي قد ينعكس حتى على أيامه الأخيرة. هؤلاء قد:

- يعانون من الأرق الشديد، وكأن الروح ترفض التهدئة.

- يتمنون الموت كمهرب لا كعبور.

- لا يرون نوراً بل فراغاً، وربما عتمةً داخلية.

- وقد قيل في الأثر: "يموت المرء كما عاش... ويُبعث كما مات ".


ربما لا نملك تفسيراً يقينياً لكل ما يحصل، ولكننا نملك خياراً :

- أن نحيا في ضوء، حتى لا نخشى الظلام.

- أن نملأ قلوبنا بالرحمة، لعلها تكون آخر ما نشعر به.

- وأن نترك وراءنا أثراً طيباً، ربما يُضيء دربنا ساعة الرحيل.


إعداد : كمال غزال


ملاحظة

 نشرت تلك القصص وصنفت على أنها واقعية على ذمة من ها دون تحمل أية مسؤولية عن صحة أو دقة وقائعها ،  للإطلاع على أسباب نشر تلك التجارب وحول أسلوب المناقشة البناءة إقرأ هنا


إقرأ أيضاً ...

- تجربة الموت الوشيك : دراسة المراحل والإنتشار 

- تجربة الموت الوشيك : دليل على عالم البرزخ أم تجربة دماغ محتضر ؟

- كلمات الموت الأخيرة 

- مراكز طبية تبحث في الحياة ما بعد الموت 

- تجارب واقعية :  ليلة لا تنسى في سيارة إسعاف

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .