![]() |
يرويها السعيد- المغرب |
في بداية شبابي، كنت لا أؤمن إطلاقاً بالكيانات الخارقة أو الغيبية، حتى وقعت لي حادثة غيّرت كل شيء. كان ذلك في ليلة قائظة من ليالي الصيف بإقليم الفقيه بن صالح، وكنت حينها في السادسة عشرة من عمري.
قضيت السهرة مع أصدقائي نتحدث عن الكيانات الغريبة، ثم عدت إلى المنزل متسللاً بعد منتصف الليل، كالعادة، عبر سور بيتنا الريفي، هرباً من عقاب والدي الذي لا يتساهل مع تأخري الليلي.
بينما كنت أتسلل عبر الحائط المؤدي إلى الإسطبل، رأيت والدي يتوضأ في صمت تام، كعادته قبيل الفجر. نظر إلي دون أن يقول شيئاً، ثم واصل وضوءه بهدوء. شعرت بالارتياح لحلمه عليّ تلك الليلة، وواصلت طريقي إلى غرفة النوم المشتركة مع إخوتي الصغار.
لكن شيئاً لم يكن على ما يرام. فقد تذكرت أن والدي لا يستيقظ للوضوء إلا قبيل الأذان، بينما كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل فقط. دفعني الشك إلى التسلل نحو غرفته، فوجدته نائمًا بعمق. حينها أيقنت أن الذي رأيته لم يكن والدي، بل كياناً آخر - جنياً تجلى في هيئة وضوء هادئة وسامية.
توالت رؤيتي لهذا الكيان بعد تلك الليلة. كنت أراه عند قدمي وأنا أستيقظ ليلاً، يصلي أو يذكر الله، ويختفي حالما أستعيد وعيي الكامل. لم أخبر أحداً من أهلي، بل كنت أكتفي بالبوح لصديقيّ المقربين.
كان هذا الكيان يرافقني، وكأنّه يحرسني. كنت أسمع صوته يهمس في أذني بما يجب أن أفعله أو أقوله، دون أن يحرك شفتيه. ذات مرة، وفي موقف محرج مع أستاذة الفرنسية التي كنت أضعف فيها، همس لي بإجابة دقيقة على سؤال لم أكن أفهمه، وكانت الإجابة صحيحة تماماً.
وفي موقف آخر، كنت أركب الحمار لجلب بطارية السيارة التي كنا نستعملها للإنارة، فتوقف الحمار فجأة ورفض التقدم رغم الضرب والصياح. استسلمت وجلست تحت شجرة زيتون ونمت قليلاً. وعندما استيقظت، ظهر لي الجني وأخبرني أن البطارية قد أُحضرت وأن الحمار في الإسطبل، ثم اختفى.
كان شكله أقرب للإنسان، ببشرة داكنة، ويرتدي جلابيب والدي نفسها. لم أرَ ملامحه بوضوح، لكن فمه وعينيه كانا كأنهما ثقوب مظلمة، وصوته يشبه تسجيلاً قديماً. طوله يقارب المتر وسبعين سنتمتراً.
استمرت هذه الظواهر الغريبة حتى سن العشرين، حين بدأت أنشغل عن ديني وانغمست في ملذات الشباب، فانصرف عني رفيقي للأبد.
وختاماً، أؤكد لكم أنني كنت دائماً في كامل وعيي ويقظتي خلال تلك اللحظات، ولم يكن الأمر وهماً أو حلماً.
يرويها السعيد (51 سنة) - المغرب
فرضيات التفسير
1- "عُمّار المكان" من الجن
في الثقافة المغربية، كما في مجتمعات عربية وإسلامية عديدة، يُعتقد بوجود "عُمّار المكان" من الجن، وهم كائنات غير مرئية تسكن البيوت وتُعرف بسلوكها المسالم غالباً. يُقال إنهم لا يؤذون أهل الدار، بل يحرسونهم أحياناً، ويُعرف عن بعضهم الانشغال بالعبادة والذكر.
في ضوء ذلك، يمكن تفسير ما رآه سعيد على أنه أحد "عمار البيت" ظهر له بهيئة طيبة، يُؤدي الوضوء ويحثه على السلوك الحسن، وربما تفاعل معه بسبب نقاء نية الشاب في تلك المرحلة العمرية، مما جعله أكثر حساسية لهذا الوجود غير المرئي.
بحسب هذا التصور، أن سعيد بالفعل تواصل مع كيان من الجن الصالحين، ظهر له بصورة مألوفة (شخصية أبيه) كي لا يفزعه، وتواصل معه عبر وسائل غير مادية (الهمس، الظهور، الإلهام).
2- هلوسة اليقظة أو نوم متقطع
قد تكون هذه التجربة من نوع الهلوسة المرتبطة بنصف النوم (hypnagogic أو hypnopompic hallucinations)، حيث يختلط الواقع بالخيال في لحظة الانتقال من النوم إلى اليقظة أو العكس. خاصة أن سعيد أشار إلى مشاهدته للكيان أثناء استيقاظه في الليل، وشعوره بعدم قدرته على تمييز الواقع مباشرة.
3- التخاطر الذهني أو الإلهام اللاواعي"
بعض التجارب التي رواها سعيد كهمس الأجوبة في أذنه خلال لحظات التوتر قد تندرج ضمن ما يُعرف بـ"الإلهام" أو الاستبصار اللاواعي. أي أن عقله الباطن، الذي خزن معلومات عشوائية طوال الوقت، قد استدعى الجواب دون أن يعي هو كيف حدث ذلك. الارتباط الروحي مع فكرة الحارس أو الملاك قد يكون مجازًا لهذه القدرة اللاواعية.
4- رمزية "الكيان الحارس"
يمكن أن يُنظر إلى الكيان كرمز لحاجة داخلية لدى سعيد إلى التوجيه والحماية، تجسدت على هيئة خارجية (العجوز) تُوجهه في اللحظات الحرجة. وهذا يتماشى مع المفهوم النفسي لـ"الأنيموس" Anima/Animus في علم نفس يونغ، حيث يظهر جانب خفي من الشخصية بصورة رمزية.
5- فرضية "الإسقاط النفسي للسلطة الأبوية"
من الملفت أن الكيان تمثل أول مرة بهيئة والده المتوضئ وهي صورة ذات دلالة قوية. ربما يُمثل الكيان الجانب الذي يخشاه سعيد ويحترمه في والده، بما فيه من قيم الالتزام والعبادة والانضباط، فتجسد أمامه كنوع من الإسقاط الرمزي للشعور بالذنب أو التوق إلى الرضا الأبوي.
تجربة سعيد تقع عند تقاطع ما هو روحي، ثقافي، نفسي وشخصي. ومهما كان التفسير، فقد أثرت فيه عميقًا في سنوات تشكل وعيه، إلى أن غاب ذلك الكيان تدريجيًا مع ابتعاده عن الدين وانشغاله بالحياة.
إعداد : كمال غزال
ملاحظة
نشرت تلك القصص وصنفت على أنها واقعية على ذمة من ها دون تحمل أية مسؤولية عن صحة أو دقة وقائعها ، للإطلاع على أسباب نشر تلك التجارب وحول أسلوب المناقشة البناءة إقرأ هنا
أقرأ أيضاً ...
- عمار المكان : الجيران الذين لا نراهم
- تجارب واقعية : الروح المنقذة
- تجارب واقعية: "صنهات" ملاكي الحارس
مرحبا اخي كمال غزال والاخوة الكرام ، عدنا والعود احمد ، مرت علينا الكثير من التجارب المشابهه لهذة التجربة والتي هي تجسد الجن على هيئة اشخاص اهل المنزل ، المثير انهم دائما لايتلفتون للشخص ولا يتكلمون الا نادراً كما حدث مع صاحب التجربة ايضاً حدث لاختي موقف مشابه كانت تصلي في غرفتها الخاصة ورأتني ادخل اثناء صلاتها وافتح دولابها واخرج وقد وصفت وقتها ملابسي التي كنت ارتديها الغريب انني لم ادخل غرفتها فقد كنت بالخارج تحدث هذه المواقف دائماً
ردحذف