أروي لكم تجربة غريبة عششت في ذاكرتي منذ الطفولة، وكلها بدأت في بيت جدتي ، كنا نزورها باستمرار لأنها كانت تسكن وحدها في شقة داخل برج سكني.
مع مرور الوقت، بدأت تشتكي من أمور غير مفهومة: أصوات أواني تتحرك وحدها، سقوط متكرر، ومرض مفاجئ. وفي ليلة كنت عندها فيها، سقطت على العتبة، وبعدها بدأت أرى حلماً متكرراً: عيون جدتي تحدق بي وسط ظلام، فأستيقظ مفزوعة.
تحوّل بيت جدتي إلى مكان خانق، كلما دخلناه شعرنا بضيق، وكأن الأوكسجين يُسحب من المكان. وفي إحدى الليالي، بينما كنت أراقب ظلّ المصباح على الحائط، رأيت الخيال يتحرّك بسرعة رغم ثبات المصباح وعدم وجود أي رياح. أغمضت عيني، وعندما فتحتها كان كل شيء طبيعياً، لكن الشعور بعدم الأمان بقي في داخلي.
كان يسكن بجوار جدتي جار وزوجته، وكانت علاقتهما سطحية بنا. الرجل كان مؤذن المسجد القريب، لكن صوته فجراً كان يرعبني.
تطور الأمر لاحقاً إلى أحلام مزعجة، كنت أراه فيها هو وأبناؤه يطاردونني ويختطفونني. كنت أستيقظ فزعة وأشعر بأن هناك شيئاً غير طبيعي يربط بيننا وبين هذا البيت.
بدأت ألاحظ أشياء غريبة، مثل كومة تراب تظهر أمام باب الحمام، وشعرت بعجز عن تحريك يدي عند مرور جارة جدتي بجانبي. ازدادت المشاكل مع تلك الجارة، وبدأنا نشك في وجود سحر، خصوصاً بعد أن وجدنا ماءً أصفر اللون يُسكب أمام باب بيت جدتي بشكل متكرر.
في إحدى المرات، اتهمني زوج الجارة المؤذن بكسر مصباح في الممر، رغم أني لم أفعل، ثم هاجموا والدي بعنف عند محاولته الدفاع عني. جلب والدي شيخاً، وبعد تفتيش البيت، عثر على ورقة مخفية في باطن الأريكة تحتوي على طلاسم وكلمات مثل: "موت، مرض، ترحيل، هم...". تخلص الشيخ منها في البحر ووضع حجاباً في المنزل. ومع المواظبة على قراءة القرآن، بدأت الأمور تتحسن تدريجياً.
مرت السنوات، وتغيرت حياة جيراننا بشكل مأساوي: فضائح، خسائر، أمراض، وشتات. وكأن كل ما حاولوا إرساله لنا، عاد إليهم أضعافاً.
نقلنا جدتي لتعيش معنا، ثم توفيت بعد والدي بفترة. رجعنا إلى بيتها لفترة ثم غادرناه نهائياً، لكن رغم كل ما مررنا به، بقيت ذكريات طفولتي هناك محفورة في قلبي، بين الرعب والحنين.
ترويها ندى (19 سنة) - فلسطين
فرضيات التفسير
رغم أن تجربة ندى تبدو مشبعة بالغرابة والغموض، إلا أن هناك عدة زوايا لتفسير ما حدث، منها ما يستند إلى العلم، ومنها ما ينتمي إلى عالم ما وراء الطبيعة أو الفلسفة الروحية :
1- تفسير ماورائي - فعل الجن والسحر
العثور على ورقة تحتوي طلاسم وألفاظ مثل "موت، مرض، ترحيل" قد يشير بوضوح إلى ممارسة سحرية. وهذا يُعزّز نظرية أن البيت كان مستهدفًا فعلاً، مما تسبب في تسلسل من الأحداث المؤذية للعائلة ، الشعور بالخنقة، الظلال المتحركة، وعجز الحركة المفاجئ قد تُفسَّر في الثقافة الروحية بأنها ناتجة عن تأثير كيانات غير مرئية مثل الجن أو الأرواح السلبية.
2- الكارما
ما حدث لجيران جدة ندى من فضائح، خسائر، أمراض، وتفكك قد يُفهم في إطار الكارما، وهو مبدأ روحي يقول إن الأذى يعود إلى صاحبه ولو بعد حين، إن كان هؤلاء قد فعلاً مارسوا السحر والأذى، فإن ما حلّ بهم قد يكون نتيجة لأفعالهم أي بمعنى آخر انقلب السحر على الساحر ، قد يُرى أن العائلة نجت جزئياً بفضل تمسّكها بالدين وقراءة القرآن، بينما من مارس الأذى تلقّى نتائج فعله تدريجياً، فيما يُعتبر نوعاً من "العدالة الكونية".
3- تفسير علمي نفسي وسلوكي
الأحلام المتكررة، الإحساس بالاختناق، ورؤية الظلال قد تندرج ضمن تفسيرات علم الأعصاب. في عمر الطفولة، الدماغ في طور النمو وقد يكون أكثر عرضة للهلوسات، خاصة مع وجود توتر عائلي أو بيئة مشحونة.
في بيئات مغلقة، يمكن أن تنتشر مشاعر الخوف والرهبة بين أفراد العائلة، ما يؤدي إلى تفسيرات جماعية للأحداث كأنها "ماورائية" وهو ما يعرف بتأثير العدوى النفسية Mass Psychogenic Illness، بينما تكون في الأصل ناتجة عن التوتر، القلق، أو حتى الصدفة.
صوت المؤذن في الفجر، وهو صوت قوي ومفاجئ في السكون، قد يُفسر كمحفّز للخوف عند الأطفال، خاصة إذا ارتبط بشخصيات مُربكة أو مشحونة نفسياً مثل الجار وزوجته أي رهاب الشخصيات السلطوية.
وفي الختام :
ما بين علم الأعصاب، والماورائيات، والمفاهيم الروحية مثل الكارما، تظل تجربة ندى مفتوحة للتأويل. وربما، كما في كثير من قصص الحياة، هناك جزء غير مرئي من الحقيقة، لا يُمكن إدراكه بالمنطق وحده ولا يُمكن تجاهله بالإيمان وحده.
إعداد: كمال غزال
ملاحظة
نشرت تلك القصص وصنفت على أنها واقعية على ذمة من ها دون تحمل أية مسؤولية عن صحة أو دقة وقائعها ، للإطلاع على أسباب نشر تلك التجارب وحول أسلوب المناقشة البناءة إقرأ هنا
إقرأ أيضاً ...
- طقوس سحر الحب القسري في مصر القديمة
- في حضرة الكارما… لا شيء يُنسى
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .