5 أبريل 2025

الراكب الغريب على طريق بئر عياط

أنا فيصل، ضابط متقاعد في الجيش الليبي، وعمري الآن سبعون سنة. ما سأرويه لكم حدث معي شخصياً في صيف سنة 1983، ولا يمكن أن أنساه ما حييت ، كنت حينها برتبة رائد ركن، وكنت أعيش في طرابلس. جاء اليوم الأخير من شهر رمضان، وأعلنت الإذاعة الليبية أن الغد سيكون المتمم للشهر، أي أننا سنصوم يوماً آخر. لذلك قررت أن أؤجل سفري إلى الجبل، حيث تعيش عائلتي، لأنني أمازيغي وأحب أن أقضي العيد معهم. كنت أعزباً ولا أملك منزلاً في العاصمة، فكان من الطبيعي أن أذهب إليهم في الجبل.

لكن الساعة كانت العاشرة ليلاً عندما أعلنت الإذاعة فجأة أن غداً هو أول أيام العيد ! ،  بدون تفكير، حزمت نفسي وانطلقت بالسيارة عند الساعة الحادية عشرة متجهاً إلى مدينتي "يفرن" في الجبل الغربي، على بعد نحو 120 كيلومتراً من طرابلس.

الطريق في الليل كانت خالية تماماً، ومظلمة بطريقة مزعجة. خصوصاً منطقة "وادي المجينين"، وهي معروفة بالحوادث القاتلة ليلاً ونهاراً ، بعد حوالي مئة كيلومتر من القيادة، استوقفتني بوابة تفتيش تُعرف باسم "بوابة بئر عياط"، وطلبوا مني أوراق الهوية والسيارة ،  بعد أن انتهيت، تابعت طريقي.

وهنا بدأت أغرب تجربة مررت بها في حياتي...

ما إن تجاوزت البوابة بحوالي 200 متر، وانطفأت أنوارها خلفي، حتى رأيت رجلاً يقف على جانب الطريق المظلم، ويشير إلي بالتوقف. لم أشك في أمره أبداً، خصوصاً أنه كان قريباً جداً من البوابة، وظننت أنه أحد العابرين.

توقفت، فركب السيارة دون أن يقول كلمة. كان شكله غريباً: ثيابه رثة ومتسخة، شعره ولحيته طويلان كمن لم يستحم منذ عام، ووجهه عليه طبقة غبار رغم أن الجو كان هادئاً. لكن أكثر ما شدّ انتباهي هو أنه كان يلبس معطفاً عسكرياً سميكاً من النوع الذي كان يرتديه الجنود الليبيون قديماً، مع أننا كنا في عزّ الصيف والحرارة كانت مرتفعة.

قدّرت عمره بحوالي خمسين سنة. سرنا معاً حوالي عشر دقائق، وهو صامت تماماً. حاولت فتح الحديث معه فقلت:

"الجو حار اليوم، مش كأنه عيد ! "

لكنه لم يردّ، ولا حتى التفتّ إلي.

فجأة، نطق بصوت أجش وقال:

"أنا عملت حادث..."

رددت عليه بدون أن أنظر إليه:

"الحمد لله على السلامة."

صمت قليلًا ثم كرر نفس الجملة. أجبته بنفس الرد دون أن ألتفت.

وهنا... تغيّر صوته فجأة، وصار حاداً وجافاً، وقال:

"أنا قلت لك... عملت حادث... ومتّ! "

وقتها فقط التفتّ إليه، وإذا بي أراه يحدّق بي بنظرات حادة، وكان قد فتح معطفه، والدماء تسيل من داخله بغزارة كأنها دماء مذبوح الآن !

تجمّد الدم في عروقي، وشعرت كأن قلبي توقف. جسدي كله اقشعر، وشعرت أنني على وشك فقدان الوعي من الرعب.

بسرعة، أعدت نظري إلى الطريق وبدأت أقرأ آية الكرسي بصوت مرتفع،  لم أجرؤ على النظر إليه مجدداً. كنت أعلم حينها أن ما بجانبي ليس إنساناً طبيعياً، بل شيء من عالم آخر... شيطان أو شبح.

واصلت القيادة وأنا أقرأ بصوت عالٍ. لم يتحرك، لم يتكلم، فقط ظلّ جالساً بصمت. بعد دقائق قليلة، توقفت السيارة فجأة من تلقاء نفسها، وسمعت صوت فتح الباب وإغلاقه بعنف، ثم عمّ الصمت.

نظرت بجانبي... لا أحد !

نظرت من النوافذ، يميناً ويساراً... لا أثر له !

والمكان كان مكشوفاً تماماً، لا توجد أشجار أو عمارات يمكن أن يختبئ خلفها.

أعدت تشغيل السيارة، فاشتغلت فوراً. وانطلقت بأقصى سرعة ممكنة حتى وصلت إلى أول منطقة فيها إنارة. وقبل صعود الجبل، وجدت مطعماً صغيراً لا يزال مفتوحاً، وكان هناك مجموعة من الشباب يتسامرون.

توقفت عندهم، وكانت ملامحي واضحة أنني مررت بشيء غريب ، وصدفةً، كان من بينهم ابن عمي، فسألني عمّا حدث. رويت لهم القصة، وكانوا ينصتون بدهشة.

طلبوا أن نفتح الباب الجانبي لنرى إن كانت هناك دماء، لكن لم نجد شيئاً. عندها قال لي أحدهم :

"هذا الشبح يُعرف عندنا باسم الغولة... يظهر للمسافرين المنفردين، وخصوصاً في هذا الطريق. "

وأضافوا أن هذا الكائن كان معروفاً منذ زمن أجدادهم، لكنه لم يظهر منذ سنين طويلة، وكانوا يظنّون أن قصته مجرد خرافة.

لكن بعد ما حدث لي، تغيّرت نظرتهم تماماً.  

تجربتي انتشرت في اليوم التالي كالنار في الهشيم، وكبار السن من القرية أكدوا لي أن هذا الشبح معروف منذ الثلاثينيات والأربعينيات، وكان يخيف المسافرين المنفردين ليلاً. الغريب أنه ظهر بنفس المعطف العسكري الذي كان يُستخدم في فترة الثمانينات... ولا أحد يعرف لماذا عاد للظهور، ولماذا اختفى كل تلك السنين ؟!


يرويها فيصل (70 سنة) -  ليبيا


فرضيات التفسير 

أ) التفسيرات الماورائية (الميتافيزيقية)

1- شبح الروح العالقة Earthbound Spirit

في الكثير من المعتقدات، يُقال إن الأرواح التي تموت فجأة في حادث، خصوصاً عندما يكون الموت مفاجئاً أو مؤلماً، قد تبقى "عالقة" بين العالمين.

- يُعتقد أن هذا "الراكب الغريب" هو شبح شخص توفي بالفعل في حادث في تلك المنطقة، وربما لم يدرك بعد أنه مات، أو يحاول إيصال رسالة.


2- تجسد ما يُعرف بـ"الغولة"

في التراث الشعبي الليبي وغيره من الثقافات، الغولة ليست دائماً أنثى بشعة، بل قد تكون كياناً مخيفاً يظهر بهيئة بشرية ، ظهوره بالقرب من وادي وبملابس من زمن مضى، يعزز ارتباطه بأسطورة محلية عن كيان يتغذى على خوف المسافرين المنفردين.


3- كائن من بُعد آخر أو تشوه في الزمكان

بعض النظريات الماورائية تقول إن في بعض اللحظات الخاصة (ليل، عواصف، مناطق جغرافية معينة...) يحصل "تداخل زمني" أو "ثغرة" تسمح بكائنات من بعد آخر أن تظهر لفترة وجيزة.


ب) التفسيرات العلمية أو النفسية

1- الهلوسة البصرية بسبب الإرهاق

القيادة الطويلة ليلاً، مع التوتر والحرارة، يمكن أن تؤدي إلى ما يسمى "هلوسة الطريق" أو Highway Hypnosis، حيث يرى الشخص أشياء أو أشخاصاً غير موجودين.

المشهد حدث في نهاية رمضان، ما يعني أيضاً إرهاق جسدي، ربما صيام، حرّ، توتر السفر... كلها عوامل تضع الدماغ في حالة "هشة" تجعل من السهل اختلاق مشاهد تبدو واقعية تماماً.

2- باريدوليا (Pareidolia)

العقل يميل إلى تفسير الظلال أو الأشكال الغامضة على أنها وجوه أو بشر. في الظلام، يمكن أن يرى الشخص وجهاً أو كياناً حيث لا يوجد شيء، خصوصاً في بيئة موحشة. إقرأ عن ظاهرة الباريدوليا


3- ذاكرة كاذبة أو تأثير "الذاكرة النائمة"

إذا سمع فيصل قصصاً عن "الغولة" في شبابه، قد يكون عقله تحت تأثير الإرهاق والخوف أعاد إحياء تلك الصور في موقف مشابه، إقرأ عن الذاكرة الوهمية. 


تجارب مشابهة

- تاكسي طوكيو: بعد زلزال 2011، أبلغ بعض سائقي التاكسي في اليابان عن ركاب يصعدون، يعطون وجهة مدمّرة، ثم يختفون.

- شبح طريق "كلاي هيل" في أمريكا: سيدة تظهر على الطريق ليلاً، تطلب توصيلًا، ثم تختفي.

- وقد سبق أن تلقينا تجارب واقعية ونشرناها سابقاً .. تجدها في "إقرأ أيضاً ..."


في النهاية ... التفسير الماورائي يرى في القصة دليلاً على وجود عوالم غير مرئية تتقاطع مع عالمنا في ظروف معيّنة أما التفسير العلمي فيعتمد على حالة السائق النفسية، والتأثيرات الفيزيولوجية للظروف المحيطة ، كلا التفسيرين لا ينفي الآخر، وربما هناك منطقة رمادية بين العقل والغيب، حيث تحدث مثل هذه القصص.


إعداد:  كمال غزال


ملاحظة

 نشرت تلك القصص وصنفت على أنها واقعية على ذمة من ها دون تحمل أية مسؤولية عن صحة أو دقة وقائعها ،  للإطلاع على أسباب نشر تلك التجارب وحول أسلوب المناقشة البناءة إقرأ هنا


إقرأ أيضاً ...

- تجارب  واقعية : مواجهة مع شبح على طريق سفر 

- تجارب واقعية : مع مجهول في المقعد الخلفي

- تجارب واقعية :  الجاثي قرب درب الصحراء


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .