9 أبريل 2025

كتبت تجربتي فاستيقظ الجحيم

قصتي بدأت من طفولتي، تحديداً وأنا في الثامنة من عمري. كنت أرى حلماً يتكرر كل ليلة: أشخاص – أو مخلوقات – يرفعونني من سريري ويمشون بي في نفق مظلم حتى أصل إلى نور في نهايته، ثم أستيقظ فجأة. أحياناً كنت أرى جسدي من زاوية كأنها كاميرا مراقبة. كانت هذه البداية فقط.


عندما أخبرت أمي، أنكرت الأمر وقالت إنني أتوهم. ومع الوقت، بدأت أصدّق كلامها وأقنع نفسي أن كل ما يحدث مجرد وهم، لكن الكوابيس استمرت، بل أصبحت أشد. كنت أُرفع إلى السقف، أستيقظ فزعةً، ثم يعود المشهد مجدداً. لم يشعر أحد بي، حتى أختي التي تشاركني الغرفة.

بدأت أبحث بنفسي، وقرأت كثيراً في موقع "ما وراء الطبيعة". تقربت من الله، وتمسكت بإيماني، لكنه لم يمنع الأذى عني. بدأت أنام بصعوبة، وكرهت الدراسة، وابتعدت عن الناس. لاحقاً ظهرت عندي أعراض جسدية مزعجة، مثل انتفاخ البطن وغازات غريبة جعلتني أخجل من الجلوس مع أهلي أو زملائي.

في سن المراهقة، تغير شكلي فجأة. أصبحت شاحبة، متعبة، أشعر وكأنني مسخ. نظرت إلى والدتي وشعرت أنها تغيرت هي الأخرى. أخوتي أخبروني أنها كانت طيبة وحنونة، فبدأت أعتقد أن هناك شيئاً غير طبيعي يحدث في البيت.

عندما لم يتقدّم أحد لخطبة أختي، بدأت أمي تقتنع بالحسد، فأخذتنا إلى راقٍ في عجمان. لم يتغير شيء في البداية، لكن في زيارة لاحقة، بدأت تصرخ وكأن شيئاً يتحدث من خلالها. علمنا أنها ممسوسة. بعدها، كنت أرى هذا الكيان بهيئة أمي، يحاول خنقي ويهددني. لكنني تمسّكت بإيماني، وشعرت أن داخلي قوة تخيفهم.

ذهبت لعدة رقاة، بعضهم استخدم علاجات غريبة، وآخرون طيبون ساعدونا كثيراً، وبدأت والدتي تتحسن. وأحدهم أخبرني أنني أمتلك طاقة خاصة، وذكر أنني "زوهريّة"، وهي صفة يُقال إنها تجذب الكائنات الخفية أو تجعل صاحبها أكثر حساسية تجاهها. الغريب أن أغلب الرقاة أشاروا إلى أن الحلّ هو "الخروج من المنزل"، وبالفعل، عندما انتقلت مع أختي إلى مدينة أخرى، هدأت الأمور فجأة، وكأن الكوابيس توقفت لأن مهمتهم انتهت.

لكن الكارثة كانت مؤخراً، حين قررت أخيراً أن أكتب تجربتي ، شعرت فجأة بحزن واكتئاب وضيق شديد. بدأت أصرخ، وكنت أقاوم حتى لا أُخيف أهلي. قرأ والدي عليّ، ثم قرأت الرقية الشرعية من هاتفي. رأيت ظلمة غريبة رغم إنارة المنزل. توسلت إليهم أن أخرج، وبالفعل تحسنت عند مغادرة البيت.

أنا الآن أخاف العودة. البيت أصبح كابوساً. أشتاق لوالدي وإخواني، لكنني لا أستطيع الرجوع. أعتقد أن السبب كان الخادمة الإثيوبية التي عشنا معها سنتين، والتي كنت الوحيدة التي تشعر بأنها ساحرة. كانت تصرفاتها غريبة، ورائحتها كريهة، وأكلها يثير اشمئزازي. لم أتناول شيئاً من طبخها طوال تلك الفترة، وكنت أعيش على الجوع والخوف.

اليوم، بعد سنوات طويلة من الألم، أريد فقط أن أعيش حياة طبيعية، أنام بهدوء، أدرس، وأبتعد عن هذا الظلام الذي ابتلع طفولتي ومراهقتي. والله، لا أطلب شيئاً سوى أن أرجع إلى بيتي وأنا أشعر بالأمان.


ترويها سمية (19 سنة) - الإمارات العربية المتحدة


فرضيات التفسير

تجربة سمية تبدو متعددة الأوجه، ما يجعل تفسيرها مرهونًا بفهم دقيق للعوامل النفسية، البيئية، والاجتماعية التي أحاطت بها، إلى جانب عدم إغفال البعد الروحي والماورائي. وفيما يلي مجموعة من الفرضيات التفسيرية التي قد تسلط الضوء على ما مرت به:


أولًا: التفسيرات الماورائية – المسّ وتدخل الجن

من منظور ماورائي، تتقاطع الكثير من تفاصيل تجربة سمية مع ما يُعتقد أنه أعراض مسّ أو سحر، كالأحلام المتكررة عن كيانات ترفعها، سماع الأصوات، التغيرات المفاجئة في الشكل والشخصية، والضيق المفاجئ عند محاولتها الاقتراب من الله أو ممارسة الطقوس الدينية. كما أن ردود فعل والدتها غير المألوفة، وصرخاتها أثناء الرقية، وحديث الرقاة عن كيان مؤذٍ، يدعم هذا الاحتمال.


وجود خادمة مثيرة للشكوك وتصرفاتها الغريبة قد يعزز هذا التفسير، خاصة مع ارتباط الأمر برائحة كريهة، شعور بالاشمئزاز، ونفور سمية من الطعام والبيت بشكل عام. وقد أشار بعض الرقاة إلى ضرورة الخروج من المنزل، وهو ما ترافق فعلاً مع تحسن حالتها مؤقتاً. هذه المعطيات، ضمن السياق الروحي الشعبي، تُفسر غالباً كنوع من التسلط من كائنات غير مرئية.


ثانياً: التفسيرات النفسية والعصبية


1-  شلل النوم والهلوسات النومية

تُعد الكوابيس التي وصفتها سمية، خاصة مشاعر الاختطاف والخروج من الجسد، نموذجية لما يُعرف بـ"شلل النوم" أو "الهلوسات النومية"، وهي ظاهرة تحدث أثناء الانتقال بين النوم واليقظة، ويصاحبها شعور بالعجز، الخوف، وأحيانًا إدراك بصري أو سمعي غير حقيقي.


2- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

ما مرت به سمية من عزلة، فقدان للشهية، نوبات بكاء، وتغيرات جسدية، كلها علامات قد تشير إلى اضطراب ما بعد الصدمة، والذي ينتج عن التعرض المتكرر لمواقف ضاغطة أو مرعبة، خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة، مما يؤدي إلى تشوّه الإدراك بين الواقع والخيال.


3- البيئة الأسرية والتأثير الاجتماعي

الإنكار المتكرر من قِبل العائلة، وخصوصاً الأم، وغياب الاحتواء النفسي، لعب دوراً محورياً في تعزيز شعور سمية بالوحدة والخوف. كما أن الخلفية الثقافية للعائلة، التي تميل إلى تفسير الظواهر بالحسد والسحر، قد عمّقت من إحساسها بالخطر، ورسّخت التفسير الماورائي للأحداث.


4- الزوهريّة والحساسية الروحية

سمية أشارت إلى أنها وُصفت بكونها "زوهريّة"، وهو مصطلح في الثقافة الشعبية يُطلق على الأشخاص ذوي الصفات الروحية الفريدة أو "الحس الروحي العالي". مثل هؤلاء، حسب الاعتقاد، يُعتقد أنهم أكثر عرضة للتجارب الخارقة أو التأثير من الكائنات غير المرئية.


5- الرمزية النفسية للأم ككائن مخيف

ظهور الأم في الكوابيس بهيئة مرعبة قد يعكس صراعاً داخلياً بين رغبة سمية في الحماية والاحتواء من والدتها، وخوفها من السلطة والرفض الذي واجهته منها في طفولتها. علم النفس يفسر هذا النوع من الأحلام كترجمة رمزية لصراعات عاطفية غير محلولة.


6- تفجّر المكبوت عند محاولة الكتابة

محاولة سمية لكتابة تجربتها وما تلاها من نوبة هلع، قد تكون أول محاولة حقيقية منها لمواجهة ما عاشته. فالكتابة، خاصة عند من مرّ بتجارب مؤلمة، تُحرّك لاوعي الإنسان، وتفتح أبواباً مغلقة من الذاكرة والعاطفة، ما يفسر الانفجار النفسي والجسدي المفاجئ الذي تعرّضت له.


خلاصة التحليل 

يصعب اختزال تجربة سمية في تفسير واحد، فالغالب أنها نتاج تفاعل معقّد بين عوامل نفسية وروحية وبيئية. من جهة، لا يمكن استبعاد المسّ أو التسلّط الروحي بحسب معطيات القصة وسياقها، ومن جهة أخرى، تبدو الأعراض النفسية واضحة وتستحق الدراسة العميقة.

سمية بحاجة إلى احتواء لا يقوم على التخويف أو التكذيب، بل على الدعم المتوازن، مع إشراف نفسي وروحي متخصّص يساعدها على استعادة ثقتها بنفسها، والشعور بالأمان الذي افتقدته منذ الطفولة.


إعداد:  كمال غزال

 

ملاحظة

 نشرت تلك القصص وصنفت على أنها واقعية على ذمة من ها دون تحمل أية مسؤولية عن صحة أو دقة وقائعها ،  للإطلاع على أسباب نشر تلك التجارب وحول أسلوب المناقشة البناءة إقرأ هنا


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .