30 يوليو 2025

نجاة لا تفسير لها

حادثة سيارة في الوادي
يرويها  بيل هيرالد (79 سنة) - الولايات المتحدة

حدث هذا صباح يوم أحد من عام 1961، في منطقتي الريفية بشرق ولاية كنتاكي، وكنت آنذاك في التاسعة عشرة من عمري ، كنت أقود سيارتي على طريق جبلي متعرج، خلال هطول أمطار خفيفة، في طريقي لزيارة فتاة كنت أواعدها في منزل والديها الواقع في منطقة ريفية. 

كنت أنزل منحدراً حاداً محفوراً في الجانب الأيسر من الجبل، حين انزلقت السيارة أولًا إلى خندق على يمين الطريق واصطدمت بجدار الجبل، ثم انحرفت بقوة نحو اليسار، لتخرج عن الطريق تمامًا وتهوي من فوق جرف شاهق، يبلغ ارتفاعه حوالي 30 متراً نحو قاع واد فيه مجرى مائي.

انقلبت السيارة مرتين تقريباً قبل أن تستقر على عجلاتها في الأسفل ، لحسن الحظ، تمكنت من الخروج منها، وقد بدا أن إصابتي تقتصر على جروح كثيرة في ذراعي بسبب الزجاج المهشم. لكنني سرعان ما أدركت أنني على بعد 20 ميلًا من أقرب مدينة، في منطقة شبه مهجورة صباح الأحد، حين يكون معظم الناس في الكنيسة، وقبل سنوات طويلة من وجود خدمات الطوارئ كالإسعاف أو رقم 911 أو حتى الهواتف المحمولة، لم يكن لدي خيار سوى أن أتسلق الجرف مجددًا إلى الطريق، وإلا فلن يعلم أحد بوجودي هناك.

انحنيت إلى الأمام وأمسكت بشجرة صغيرة لأبدأ الصعود، لكن في اللحظة التي انحنيت فيها، شعرت بسائل دافئ ورطب ينسكب بغزارة على وجهي. رفعت يدي نحو رأسي، وما شعرت به أصابني بالذهول: كنت أتحسس جمجمتي مباشرة. كان هناك جرح غائر يعبر كامل قمة رأسي من أذن إلى أخرى، وكانت فروة رأسي قد انسلخت وتتدلى على مؤخرة عنقي.

أعدت الفروة إلى مكانها بيدي، وحاولت تسلق الجرف مجدداً. وعندما انحنيت ثانية، لاحظت شيئاً: على بعد نحو 70  متراً إلى يميني فوق الجبل، كان هناك بيت قديم مبني في منحدره، مع طريق ترابي قصير يصل إليه من الطريق الرئيسي. بالرغم من أنني قدت على هذا الطريق عشرات المرات من قبل، لم أر هذا المنزل قط، لأنه لم يكن مرئياً من الطريق العام.

كان هناك سيارة قديمة متوقفة بالقرب من المنزل، ورجل يجلس على حافة الشرفة ، وحين وقعت عيناه على عيني، نهض وسار نحو سيارته، وقادها إلى الطريق الرئيسي، وتوقف فوق الجرف تماماً حيث كنت.

أنزل زجاج النافذة الجانبية وصاح: " إن تمكنت من الصعود إلى هنا سأنقلك إلى المستشفى." ، لكنه لم يخرج من السيارة أبداً.

تشبثت بساق شجرة صغيرة أخرى، وبدأت رحلة صعود شاقة، لكنني تمكنت من الوصول إليه، وصعدت إلى سيارته، كانت سيارة قديمة، تعود تقريباً إلى أوائل الخمسينات وهو رجل يبدو في الثلاثينات من عمره، نحيف ويرتدي بنطال قماش وقميصاً وقبعة من نوع "فيدورا" ، ارتميت على المقعد بجوار الباب، وكان طوال الطريق -  الذي امتد 25 دقيقة إلى بلدة بينتسفيل - كنتاكي  صامتاً ولم يقل سوى جملة واحدة: " إنك تنزف كتيراً ، لقد شاهدت جروحاً مثل تلك في الحرب، وإذا لم يتوقّف النزيف ستموت ، خذ الجاكيت وضعه على رأسك واضغط بقوة." ، ناولني جاكيت خفيف كان موضوعاً بيننا على المقعد.

ولما اقتربنا من مشارف المدينة، سألني: " إلى أي مستشفى تريد الذهاب ؟ " ، ولأن أمي كانت تعمل في عيادة وسط المدينة، طلبت منه أن يوصلني إليها ، كانت أمامنا بمسافة خمس دقائق.

ولما توقف قال: " لا أستطيع الترجل من السيارة، هل يمكنك المشي حتى تصل إلى الباب ؟" ، أجبته بأنني أستطيع، وشكرته، وترجلت مترنحاً حتى وصلت الباب ، لا شك أنني غمرت سيارته بالدم، وأتلفت معطفه.

ثم خضعت لعلاج عاجل، وتمت خياطة فروة رأسي بـ 55 غرزة، وتم نقل دم لي ، وبقيت في المستشفى بضعة أيام ثم تعافيت ، وعندما عدت إلى المنزل أخبرني والدي أنه قام بسحب السيارة المحطمة من قاع الوادي، وقال لي: "علينا تقديم واجب الشكر  للذي أنقذك ونجد طريقة لتنظيف سيارته " ، لكن حين عدنا إلى الطريق الترابي المؤدي إلى المنزل الذي رأيته، حدث شيء غريب للغاية.

الطريق نفسه كان مغطى بالأعشاب الطويلة التي تصل إلى الخصر، ولا أثر لإطارات سيارة أو مرور أحد هناك. لم يكن قد مضى سوى ثلاثة أيام على الحادث، فكيف نبتت هذه الأعشاب بهذه السرعة؟ كنت متأكداً تماماً أن الرجل أوقف سيارته على هذا الطريق الترابي القصير.

أوقفنا سيارتنا وسرنا وسط الأعشاب الكثيفة، التي تُعرف محليًا باسم "أعشاب الحصان"، حتى وصلنا إلى البيت. كان بيتاً خشبياً بسيطاً مكوناً من غرفة نوم ومطبخ وغرفة جلوس، وله شرفتان – أمامية وخلفية – ومرافق خارجية ، لكن بدا عليه الإهمال التام ، بعض النوافذ مكسورة، ولا يوجد فيه أثاث ،  لم يكن هناك ما يشير إلى أن أحداً سكنه منذ وقت طويل.

وهنا اتجهت بالسؤال إلى عائلة الفتاة التي كنت أزورها، وسألتهم: "من كان يسكن في هذا " البيت المهجور" ؟ ، فأجابوا بأن البيت خالٍ منذ فترة طويلة، ولا أحد يعرف أي شيء عن رجل أو جار في هذا المكان ، وهنا انتهت القصة

مرت 60 سنة منذ ذلك اليوم، ولا تزال الأسئلة تطاردني:  لماذا لم يخرج الرجل من سيارته ؟ كيف ظهر في هذا المكان بالضبط، في اللحظة المناسبة؟ هل كان ماراً صدفة ؟ لكنه كان يعرف البلدة جيداً، ويعرف أن بها مستشفيين، بل وكان يعرف كيف يصل إليهما، ويعرف الطريق إلى بيت مهجور غير مرئي من الطريق الرئيسي ، هل كان من قدامى محاربي الحرب العالمية الثانية ؟ عمره كان يناسب ذلك، وقد قال: "شاهدت جروحاً مثل تلك في الحرب"، وربما قصد الحرب الكورية ، كيف كانت سيارته متوقفة على طريق تغمره الأعشاب الطويلة بعد ثلاثة أيام فقط؟ أم أن إصابتي في الرأس جعلتني أتوهم؟ كيف استطعت تسلق الجرف بعدما رأيته، بينما لم أتمكن من ذلك قبله ؟

الآن، وأنا أبلغ من العمر 79 عاماً بدلاً من 19، رويت هذه القصة لأشخاص كثيرين مروا بتجارب مشابهة، وقد أخبروني أنهم يعتقدون أن هذا الرجل لم يكن سوى ملاك أُرسل لينقذني.

ولعلها بالفعل، لا تملك تفسيراً آخر.

هذه صورة حديثة من خرائط غوغل للمكان الدقيق الذي وقع فيه الحادث. الحاجز الحديدي لم يكن موجوداً في عام 1961 ، بدأ الحادث عندما انزلقت سيارتي في الخندق على جهة اليمين، ثم عبرت الطريق وانقلبت من فوق الجرف، تقريباً عند المكان الذي يظهر فيه الانبعاج في الحاجز.

 يبدو أن شخصاً آخر أقل حظاً مني تم إنقاذه بفضل ذلك الحاجز ، ويجدر بالذكر أنني حين سقطت من الجهة اليسرى للجبل لم تكن هناك كل هذه الأشجار الكثيفة كما تبدو اليوم.


يرويها بيل هيرالد (79 سنة) -  الولايات المتحدة


نبذة عن صاحب التجربة

يمتلك بيل هيرالد مسيرة تمتد لأكثر من 60 عاماً في مجال الإذاعة، عمل خلالها كمذيع ومبرمج إذاعي ، أسس وأدار "مدرسة لويفيل للبث الإذاعي"، كما قام بتدريس فنون الإذاعة في كلية كينتاكي ويسليان. عمل في محطات إذاعية شهيرة ، يُعرف هيرالد بشغفه العميق بالتاريخ العسكري واقتناء المقتنيات الحربية، إلى جانب اهتمامه بتوثيق التجارب الشخصية الغريبة والاستثنائية التي مر بها خلال حياته.


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .