31 يوليو 2025

إرث جدي الذي فتح باباً للمجهول

مخطوطات سحرية - شيخ مغربي
يرويها نادر (27 سنة ) - المغرب

كان جدي لأبي يعمل جزاراً، إلا أن له جانباً غامضاً ظل مخفياً عن الجميع؛ فقد كان يمارس طقوساً روحانية في السر، دون أن يجرؤ أحد من العائلة على التحدث في الأمر، ولو همساً ، والدي الذي شهد بنفسه بعضاً من تلك الطقوس، أخبرني ذات يوم أنه رآه – مراراً – داخل غرفته برفقة صديق له، وهما يقرآن القرآن بصوت مرتفع وكأنهما يخاطبان الجن.

كما استخدم أعواداً من القصب منقوشة بكلمات غير مفهومة، وقد وجدت بنفسي عدداً منها داخل خزانته.

بعد فحصها، تبين أنها تحتوي على تعاويذ مكتوبة باللغة السريانية، ومنقوش بداخلها ما يُعرف بـ"مثلث الغرالي" وهو طلسـم معروف ، والدي أخبرني أيضاً أنه – ذات مرة – تسلل إلى غرفة جدي باحثاً عن "صندوق" سبق أن رآه مع أحد أعمامي، وقالا إن فيه ذهباً ومجوهرات ، إلا أن الصندوق اختفى في ظروف غامضة، ولم يُعثر عليه أبداً.

في تلك الليلة، وبينما كان والدي يتفحص الخزانة، وجد صندوقاً آخر داخله قارورة زجاجية محكمة الإغلاق بالشمع الأحمر، وفي داخلها نقطة سوداء مشعة تطير في الهواء، فجأة دخل جدي فوجده ممسكاً بالقارورة، فصرخ في وجهه غاضباً وأخبره بأنها تحتوي على جني شرير احتجزه داخلها، ولو فتحت لأفضى الأمر إلى كارثة.

لكن ما غير مجرى حياتي، بدأ بعد ذلك بزمن قصير.

استيقظ جدي في أحد الصباحات وقد فقد بصره كلياً، وعجز عن الوقوف، وأصبح حبيس فراشه، دون أي أعراض صحية تفسر حالته. بقي على هذا الحال سبعة عشر عاماً، كنت خلالها رفيقه الدائم، أعتني به ، وخلال تلك السنوات بدأت سراً بدراسة كتبه ومخطوطاته الغريبة التي تركها خلفه.

وذات مساء، وبينما كنت في المرحاض، وجدت نفسي فجأة مُلقى على ظهري في بهو المنزل، محاطاً بعائلتي المذعورة. أخبروني أن شيئاً غير مرئي حملني ورماني لمسافة تزيد عن خمسة أمتار. ومنذ ذلك اليوم، بدأت أعيش أموراً غريبة تتكرر كل ليلة.

كنت أستيقظ دائماً قبل أذان الفجر بعشر دقائق، أصرخ بصوت مرتفع وأنا أشعر بكائن يجثم على صدري، يكاد يخنقني، لا ينتهي ذلك إلا إذا أيقظني أحد، والغريب أنني أكون على دراية بالشخص الذي سيوقظني، بل أشعر باقترابه من باب الغرفة ، وعندما أفتح عيني أرى أحد أمرين: إما قطاً أسود يجلس عند طرف سريري، أو ظلًا ينسحب من الغرفة. وأحياناً ألاحظ الستائر وهي ترتفع من تلقاء نفسها دون أن يلمسها أحد.

في إحدى الليالي، كنت مستلقياً على سريري وأوشكت على النوم، فأحسست بكيان يحاول ملامستي، فتحت عيني، ورأيت -  وأقسم بالله -  دخاناً أبيض يحوم في الظلام ويتجه نحو باب الغرفة، وفي الوقت ذاته ارتفعت الستائر وحدها، وشعرت ببرودة شديدة وقشعريرة استمرت لعدة دقائق ، لم أخبر أحداً، لكن الظاهرة أصبحت تتكرر حتى اعتدت عليها.

منذ أربعة أشهر، استيقظت في الثالثة صباحاً لأتوجه إلى رحلة عمل بالقطار ، طوال الرحلة شعرت أنني أعرف كل من حولي معرفة مسبقة، وكأنني عشت هذا المشهد سابقاً بتفاصيله كافة،  سألت أحد الركاب إن كنا التقينا من قبل، فنفى مستغرباً. الموقف تكرر أثناء رحلة العودة أيضاً.

وعندما عدت إلى المنزل، أخبرتني والدتي أنها في ليلة سفري استيقظت فجأة، فوجدت نور غرفتي مشتعلًا، فنادت باسمي ظناً أنني ما زلت في المنزل،  ولما لم تتلقى استجابة، اقتربت من الغرفة لإطفاء النور، لكنه انطفأ من تلقاء نفسه قبل أن تصل فتملكها الخوف ونصحتني بعدم دخول الغرفة مجدداً. طمأنتها بأن الأمر مجرد خلل كهربائي، لكنها لم تبدُ مقتنعة.

ومؤخراً، أثناء حفل زفاف شقيقتي في المنزل، وبينما كانت والدتي ترقص مع المدعوين، سقطت فجأة مغشياً عليها وبدأت تتحدث بكلام غير مفهوم ، تجمع الجميع حولها في ذعر، وعندما اقتربت منها، فتحت عينيها وصرخت في وجهي بصوت رجولي غليظ، تطلب مني الابتعاد. نظرت في عينيها، فوجدتهما سوداوين واسعتين، يشعّ منهما بريق غريب، لا يشبه عينيها العسليتين المعتادتين.

تراجع الجميع مذعورين ، وضعت يدي على جبينها وبدأت أقرأ آيات من القرآن، فعادت إلى وعيها تدريجياً وهي لا تعرف ما حدث لها ، ومنذ أسبوعين تكرر الأمر، لكنها في هذه المرة غرست أظافرها في عنقي، ولم أتمكن من التخلص منها إلا بقراءة القرآن مجدداً.

ملاحظات إضافية :

- نوبة الصراخ التي تصيبني تحدث دائماً في التوقيت نفسه: عشر دقائق قبل أذان الفجر.

- الغرفة التي أسكنها هي نفس الغرفة التي كان جدي يمارس فيها طقوسه الروحانية ، حتى حينما غيرت الغرفة استمرت الظواهر ذاتها في مطاردتي.


يرويها نادر (27 سنة ) - المغرب


التحليل الماورائي

1- إرث الجد الروحاني

ممارسة الجد للسحر، وامتلاكه مخطوطات باللغة السريانية، وأعواد القصب المليئة بالطلاسم، وصندوقاً يحوي " قارورة محكمة بالشمع" تحبس "جنياً شريراً"  كلها دلائل على أن الجد كان ضليعاً في طقوس استحضار الكائنات الخفية، وربما عقد عهوداً معهم ، احتباس كائن داخل قارورة هو سحر معروف يستخدم فيه "الختم الروحي" و"الحبس الروحي"، ويعتقد أن من يفتح هذا الختم يحرر الكيان وقد يناله الأذى منه.

2- اللعنة الموروثة

بعد اكتشاف نادر لتلك التعاويذ، بدأت الظواهر الخارقة تلاحقه: كأن شيئاً قد انتقل إليه -  سواءً من خلال ملامسته للمخطوطات أو من خلال خرقه للحدود الروحية التي أقامها الجد ، هذا يتماشى مع فكرة "الميراث الماورائي" الذي يصيب الوريث إذا اقترب من الأسرار أو خالف محظوراً.

3- الكيان الذي يزوره قبل الفجر

ظهور الكائن في نفس الوقت يومياً (قبل أذان الفجر بدقائق) له دلالة في بعض المعتقدات بأن الكيان مرتبط بزمن "تقلص الحجاب بين العالمين" ، الصراخ، الشعور بالخنق، ورؤية القط أو الظل كلها أعراض معروفة في ما يسمى بـ"الجاثوم الشيطاني" أو الكابوس الماورائي المتكرر.

4- تجربة والدته

تحول نبرة صوتها، تغيير لون عينيها، نطقها بكلمات غريبة، رفضها لنادر تحديداً... كلها تشبه أعراض "التلبس" أو "السيطرة المؤقتة من كيان غريب" ، وعند عودتها لحالتها الطبيعية عقب قراءة القرآن عليها، ثم تنتكس لاحقاً، يوحي بأن الكيان لم يغادر تماماً.

التحليل النفسي والاجتماعي


1- البيئة المشبعة بالإيحاءات

نشأ نادر في بيت يُحيط به الغموض، وجدّه كان شخصية محورية وغامضة. هذا يخلق نوعاً من الاستعداد الذهني للاعتقاد بالظواهر الخارقة.

2- اضطرابات النوم والهلوسة

ما يصفه نادر من شعور بالاختناق، والصراخ أثناء النوم، ورؤية ظلال أو قطط سوداء، يتوافق مع حالات مثل:

- شلل النوم (Sleep Paralysis)

- الهلوسات الانتقالية hypnagogic/hypnopompic

أيضاً، الشعور بتكرار المواقف في القطار يُشبه ما يُعرف بـ"الديجافو Déjà vu" الناتج عن اختلالات بسيطة في الذاكرة قصيرة الأمد.

3- أثر الصدمة والخوف المتوارث

القصص التي رواها الأب عن صندوق الذهب، الجني في القارورة، والصرخة التي أطلقها الجد كلها قد ترسّخت في العقل الباطن، وتحوّلت إلى أنماط إدراكية مرعبة.

4- نوبات التحول لدى الأم

الحالة التي مرت بها والدته (الصراخ، الإغماء، الكلام غير المفهوم) يمكن تفسيرها طبياً بكونها:

- نوبة تحول هستيري (Dissociative Trance).

- أو نوبة فصامية مؤقتة (تُثار أحياناً تحت ضغط نفسي حاد، أو بفعل المعتقدات اللاواعية).

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .