29 يوليو 2025

شقة ترفض ساكنيها

شقة مسكونة في المعادي
يرويها  أبو رنا (57 سنة) - مصر

 حين كنت في السابعة والعشرين من عمري، انطلقت في رحلة بحث مرهقة عن شقة سكنية تلائم طبيعة عملي وتلبّي احتياجاتي.

استغرق الأمر شهوراً طويلة أنهكتني نفسياً وجعلتني على شفا اليأس.

 وفي إحدى اللحظات التي ضاق فيها صدري، أسررت لصديق مقرّب بمعاناتي، فبادرني بعرض كريم: "دع الأمر لي" ، ولم يمض سوى يومين، حتى اتصل بي مفعماً بالحماس، وأخبرني أنه وجد شقة مثالية تقع في الطابق الثالث من إحدى عمارات حي المعادي الراقي التي تعود ملكيتها إلى أحد معارفه، وأن السعر معقول وفي متناولي.

قابلنا صاحب العمارة، لكنه اشترط شرطًا غريباً: أن أعيش في الشقة لمدة أسبوع كتجربة، قبل أن نوقع أي عقد. استغربت، لكنني وافقت في النهاية. وعندما دخلت الشقة، فوجئت بفخامتها: ثلاث غرف واسعة، ومطبخ كبير، وبلكونة تطل على شارع هادئ لا تسمع فيه سوى صوت المترو من بعيد.

ذهبت لاحقاً في المساء ومعي راديو صغير، وبضع كتب، وبطانية ووسادة قطنية. قضيت وقتاً هادئاً في القراءة حتى منتصف الليل، لكن شيئاً غريباً بدأ يزعجني: كنت أسمع صوت غلق باب الشقة باستمرار، كل بضع دقائق، رغم أنني وضعت حذائي خلفه لأثبته ، تجاهلت الأمر، وظننته تيار هواء.

ذهبت إلى الشارع بحثاً عن حجر ثقيل أضعه خلف الباب، وعدت إلى الشقة. لكن المفاجأة كانت أن كل ما جلبته معي قد اختفى تماماً ! بعد لحظات من الذهول، توجهت إلى البلكونة، فرأيت كومة غريبة في الشارع، فوقها جهاز الراديو خاصتي وهو محطم ! نزلت لأتفحصه فوجدت كتبي ممزقة أيضاً ، والوسادة مبعثرة، والبطانية مهترئة.

عدت إلى الشقة غاضباً، وما إن دخلت، حتى انغلق الباب مجدداً بقوة، رغم وجود الحجر خلفه، زادت البرودة في المكان، على غير العادة في ليلة صيفية، ولم أستطع فتح الباب بأي شكل لدرجة أنني فكرت في القفز من البلكونة إلا أنني تراجعت عن تلك الفكرة المجنونة ، كان الصمت مطبقاً على غير العادة حتى صوت المترو اختفى.

حل عليّ تعب شديد، وراودني النوم، لكنني قاومته. وعندما هممت بالخروج مرة أخرى لم أجد الحجر كما تركته ، وحين عدت إلى الداخل وجدته في مكانه أمام الباب، وكأن شيئاً يلعب بعقلي !

مع مرور الوقت، انغلقت كل الأبواب داخل الشقة، حتى باب المطبخ المؤدي إلى سلم خارجي. حاولت الخروج مراراً، ولم أفلح ، الباب لا يفتح وسط حالة من الذهول والضياع، ثم فجأة عادت الأمور إلى طبيعتها لأتمكن من فتح الأبواب ، ومن دون سبب غادرت الشقة مرهقاً حتى وصلت بيتي في "مصر القديمة" سيراً على الأقدام.

في اليوم التالي، أخبرني صديقي بأن صاحب العمارة وافق على تأجيري الشقة، فابتسمت بمرارة مع أنني لم أخبره بما جرى، وبعد أيام، عدت معه لمقابلة المالك، وطلبت منه أن يخبرني صراحة عن تاريخ الشقة ، حينها اعترف قائلاً: "هذه الشقة كانت تسكنها سيدة مع زوجها، وفي غياب زوجها، حاول لص سرقتها، لكنها صرخت، فقتلها في المطبخ. ثم أجلس جثتها على كرسي في الغرفة المطلة على البلكونة قبل أن يهرب ، ومنذ ذلك الوقت لم يسكن الشقة أحد ، وكل من جرّبوا المكوث فيها رحلوا سريعاً... وأنت سادسهم."

ثم سألني: " هل نكتب العقد ؟ " 

فما كان مني إلا أن غادرت دون إجابة ،  أقسم أن كل ما حدث لي حقيقي، ولم أعد بعدها إلى تلك الشقة، ولا رغبت حتى في السؤال عنها.

يرويها أبو رنا (57 سنة) - مصر



إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .