27 يونيو 2025

فريسة الظل: قصة "جن عاشق"

 ترويها أميرة من المغرب

بدأت معاناتي مع الأمور الخارقة منذ أن كنت في السادسة من عمري. كنت أفقد الوعي تماماً، تزرقّ شفتاي، وتتحول عيناي إلى بياض ناصع، حتى يخال من يراني أنني في حالة احتضار. في كل ليلة، كنت أستيقظ مفزوعة من الكوابيس، أرى فيها ثعابين تطاردني بلا رحمة. أهلي، رغم تدينهم، لم يخطر ببالهم وجود شيء اسمه "مس" أو "جن"، فظنّوا أن حالتي طبية، وجالوا بي بين الأطباء والمستشفيات دون أي تشخيص واضح.

وبعد سنوات من المعاناة، بدأت الأعراض تخف تدريجياً. لكن عند بلوغي سن المراهقة، وتحديداً في مرحلة الإعدادية، استيقظت ذات ليلة في الساعة الثالثة فجراً، لأجد كائناً طويل القامة، بنيّ اللون، نحيفاً بشكل مخيف، ذو عينين طويلتين وبيضاويتين، وثلاثة أصابع طويلة في كل يد تنتهي بمخالب. كان يحدّق بي بصمتٍ رهيب. صرخت حتى استيقظت عائلتي، ولم أجرؤ على النوم وحدي بعدها لفترة.

مع وصولي للمرحلة الثانوية، بدأت أرى كائنات مختلفة تظهر لي في البيت وخارجه. لم أكن أشارك هذه المشاهدات كثيراً، إذ اعتدت على كتمانها. لكن الأسوأ كان يحدث في نومي: كنت أشعر أن شخصاً ما يعاشرني جنسياً كل ليلة. في البداية ظننتها أحلاماً عابرة، خصوصاً أنني لا أتابع محتوى محرّماً، لكن الشعور كان واقعياً للغاية، يتكرر، ويتصاعد.

وفي ليلة لن أنساها، حدث شيء فظيع: اغتصبني ذلك الكائن في الحلم بشكل عنيف، حتى شعرت بتمزق واضح وكأن غشاء بكارتي قد تمزق بالفعل. بكيت بحرقة شديدة في الحلم وصرخت في وجهه: "لماذا فعلت هذا؟!". عندما استيقظت، كانت وسادتي مبلّلة من دموعي، وكنت أعاني من ألم جسدي حقيقي في كل أنحاء جسدي، خاصّةً بين ساقي. استمر الألم لثلاثة أيام، ولم أتمكن من إخبار أحد. وحتى اليوم، لا أعلم إن كنت لا أزال عذراء.

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. أصيبت أمي لاحقاً بمسّ جديد، بدا مختلفاً عن كل ما واجهناه من قبل. فاستنجدت بصديق لي كان كأخٍ لي، وأخبرته بما يحدث. أحضر شيخاً لرقيتنا، وحين بدأ بقراءة القرآن، رأيت – في انعكاس شاشة التلفاز المطفي – امرأة تخرج من الغرفة. أخبرته بذلك، فشعر أن هناك شيئاً غريباً، وبدأ يطرح علي أسئلة متعددة.

تبيّن له أن ما أواجهه هو ما يسمى بـ"الجن العاشق"، وأن هذا الكائن يرافقني ويمنعني من أمور كثيرة: ارتداء الألوان السوداء أو الحمراء، الكحل، النظر في المرآة، وحتى السهر ليلاً.

أثناء فترة العلاج، كنت أشعر أحياناً بوجود أحد معي، وكأن خطواته تسير بجانبي. وعندما أُخبر صديقي بذلك، كان يقول لي: "تجاهليه، واستعيذي بالله، لنكمل الطريق".

ذات مرة، كنت في الفصل الدراسي، وبينما الأستاذة تشرح، رأيت رجلاً غامضاً يمر أمام الباب مراراً. صرت أرمي عليه الأقلام بعشوائية ظنّاً أنه يضايقني، حتى لاحظ الجميع تصرفي الغريب. ضحكتُ حينها، وادّعيت أنني أمزح، حتى لا يُظن بي الجنون.

تطورت الأمور لاحقاً، وبدأ ذلك الكيان يظهر لي في هيئة رجال مختلفين، يطلبون مني الزواج، ويقدّمون إغراءات عديدة. كنت أرفضه في كل مرة، لأنني كنت أشعر أنه نفس الجني، يتنكر في صور متعددة. وذات ليلة، رأيت نفسي في حلم وكأنني تائهة في الصحراء، بينما ابتعد عني أهلي، وظهر لي ثعبان ضخم. كنت أصرخ وأطلب النجدة، فخرج الشيخ الذي كان يرقيني وبدأ بقراءة القرآن، حتى اختفى الكائن أمامي.

منذ تلك الليلة، بدأت أستعيد حياتي شيئاً فشيئاً، وتراجعت معظم الأعراض. ولا أقول إنني شُفيت بالكامل، لكنني أشعر أنني لست وحدي الآن، وأن من الممكن مواجهة هذه الأمور دون استسلام.


ترويها أميرة (22 سنة) - المغرب 



التفسيرات المحتملة - كمال غزال

نفسياً
قد تشير هذه الحالة إلى ما يُعرف بـشلل النوم المصحوب بالهلوسة الجنسية Sleep Paralysis with Hypnagogic Hallucinations، حيث يشعر الشخص بشلل جسدي أثناء النوم ويرى أو يحس بكائنات تهاجمه، بل ويشعر أحياناً بلمسات أو حتى جماع، دون أن يكون لذلك وجود فعلي.

الشعور بالاعتداءات الجنسية من كائنات غير مرئية قد يرتبط أيضاً بـاضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة أو انفصام الشخصية الجزئي.

روحانياً وماورائياً
تكرر الأحلام الجنسية العنيفة والمشاهدات قد يشير، وفق المعتقدات الروحية، إلى وجود "جني عاشق"، وهو نوع من الجن يُعتقد أنه يتعلق بالإنسان جنسياً ويؤذيه نفسياً وجسدياً.

المنع من ارتداء ألوان معينة أو استخدام المكياج وظهور كائنات بأشكال مريبة تدعم هذا التفسير لدى الرقاة والمعالجين الروحانيين.

تجربة "أميرة" ليست مجرد قصة غريبة، بل مثال حي على معاناة فتاة بين الخط الفاصل بين الطب والعالم الماورائي. سواء فُسِّر ما حدث علمياً أو روحياً، فإن الأهم هو الإصغاء لمثل هذه الحالات برحمة ووعي، بعيداً عن التهكم أو التشكيك المؤذي.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .